الجمعة ١٢ / سبتمبر / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×
أهم الأخبار

الصندوق الأسود.. هل ينقذ أرواح المرضى بطوارئ المستشفيات؟

الصندوق الأسود.. هل ينقذ أرواح المرضى بطوارئ المستشفيات؟

بقلم عادل خفاجي:

بين الواقع والإنكار تضيع الحقيقة، وتتوه المسؤولية، ويصبح الجميع خاسرين؛ فسمعة المستشفى التي ترفض تقديم الرعاية الطبية لحالات الطوارئ تتعرض للتشويه، ويُحال مسؤولوها إلى التحقيقات والجزاءات الرادعة بسبب تقصيرهم في حق المرضى، واتهامهم بعدم تنفيذ قرارات الحكومة ممثلة في وزارة الصحة، التي تلزم جميع المستشفيات الحكومية والخاصة بتقديم الخدمات الطبية للحالات الطارئة لمدة ٤٨ ساعة دون المطالبة بأي مبالغ مالية.

وفي المقابل، قد يفقد المريض حياته في لحظة نتيجة عدم تلقيه الخدمة العلاجية العاجلة، وهو تقصير لا يضر فقط بالمبادئ الإنسانية، بل يهوي بسمعة المؤسسة الطبية، ويمتد أثره إلى صورة الحكومة نفسها. ومن ثمّ، فإن الوصول إلى الحقيقة أمام صانع القرار، وتوفير الوقت والجهد وتكاليف الزيارات المفاجئة التي غالبًا ما تُخفي الواقع بدلاً من كشفه، يتطلب حلاً عمليًا ومستدامًا.

يكمن الحل في الاعتماد على التكنولوجيا لمواجهة مشكلة عدم التزام بعض المستشفيات بتقديم الرعاية الطارئة. فقد ظهرت مؤخرًا شكاوى ضد مستشفيات حكومية مثل مستشفى الهرم بالجيزة ومستشفى مبرة مصر القديمة بالقاهرة، وربما هناك وقائع مماثلة في مؤسسات صحية أخرى، سواء حكومية أو خاصة.

إن تقديم الرعاية الصحية العاجلة لحالات الطوارئ يظل أحد أبرز التحديات التي تواجه المنظومة الصحية. ومن الحلول المقترحة لمواجهة هذه الأزمة، تطبيق نظام رقابي متكامل يعتمد على كاميرات المراقبة والتسجيل بالصوت والصورة منذ لحظة دخول المريض إلى قسم الاستقبال وحتى وصوله إلى غرف الطوارئ.

هذا النظام سيشكل دليلاً قاطعًا وموثقًا لما يجري داخل المستشفى، ومرجعًا ثابتًا أمام مديري المستشفيات ووزارة الصحة، بما يتيح متابعة دقيقة عن بُعد دون الحاجة إلى زيارات مفاجئة غالبًا ما يُعاد خلالها ترتيب الأمور بشكل مؤقت لتجاوز الرقابة، بينما تضيع الحقائق بين الاتهامات الحقيقية والمزيفة.

ويمكن تشبيه هذه الرقابة بالصوت والصورة بدور "الصندوق الأسود" في الطائرات، الذي يسجل ما يدور في قمرة القيادة. فهي أداة تمنح صانع القرار القدرة على الاطلاع على مجريات الأمور والكشف عن الأسباب الحقيقية لأي تقصير أو خلل، بما يساعد على اتخاذ قرارات حاسمة، ويضمن عدم تكرار الأخطاء وحماية حق المريض في الرعاية الصحية العاجلة.

يهدف الصندوق الأسود إلى تسجيل كافة الإجراءات الطبية والتفاعلات بين الطاقم الطبي والمرضى، بما يشمل الوقت، القرارات، والأحداث غير المتوقعة. تساعد هذه التسجيلات في تحليل الأخطاء الطبية، تحسين جودة الرعاية، وتحديد المسؤوليات بشكل دقيق، بما يعزز سلامة المرضى ويقلل من المخاطر المحتملة.

كما يسهم الصندوق الأسود في تدريب الفرق الطبية على أفضل الممارسات، من خلال مراجعة الحالات السابقة وتحديد نقاط القوة والضعف في أداء المستشفى، مما يرفع من كفاءة الطاقم ويزيد من فرص إنقاذ الأرواح.

وتضمن آلية الصندوق الأسود حماية صارمة للتسجيلات الصوتية والمرئية التي يتم جمعها داخل أقسام الطوارئ، بحيث لا تُفتح هذه التسجيلات أو يُطلع عليها إلا جهات التحقيق الرسمية المختصة. هذا الإجراء يضمن الحفاظ على خصوصية المرضى وحقوقهم، ويحول دون أي استغلال أو تسريب للمعلومات، مع تمكين الجهات الرقابية من مراجعة الأحداث بدقة في حالة حدوث أي تجاوزات أو شكاوى، مما يعزز الثقة في النظام ويحفز على تحسين جودة الرعاية الصحية.

ويبقى السؤال الملح: هل آن الأوان لتطبيق فكرة "الصندوق الأسود" في طوارئ المستشفيات، لتكون عينًا لا تنام على صحة المواطنين وحارسًا أمينًا لحقوق المرضى؟